فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد يكون الأمر ثقيلًا على النفس في ملكاتها، مثل الهم جاثم على الصدر وثقيل عليه، وهو أقسى أنواع الثقل، ولذلك فالشاعر القديم يقول:
ليس بحمل ما أطاق الظهر ** ما الحمل إلا ما وعاه الصدر

إذن هناك ثلاثة أثقال: ثقل مادي، وثقل فكري، وثقل نفسي.
و{ثَقُلَتْ فِي السماوات}، ونحن نعلم أن السموات فيها الملائكة. ونعلم أن الملائكة أيضًا لا تعرف ميعاد الساعة، ولا يحاول معرفتها إلا الإنسان بشهوة الفكر، أما الملائكة فهي ليست مكلفة لأنها لا اختيار لها، وبعضها يخدم البشر، وهم الملائكة الذين سجدوا لآدم وهم الموكلون بمصالحه، وبحياته، وقد رضخوا لأمر الحق بأن هناك سيدًا جديدًا للكون. فكونوا جميعًا مسخرين في خدمته، وهم الملائكة الحفظة الكرام الكاتبون، ولهم إلف بالخلق، إلف كاره للعاصي، وإلف محب للطائع. ومن يسير على منهج الله من البشر يفرحون به. وإن وقع من الطائع زلة، يأسون له ويتمنون ألا تقع منه زلة أخرى. ومن يسير ضد منهج الله يغضبون منه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: «ما من يوم يصبح العياد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفًا».
ونعلم أن المنفق سيأخذ ثواب إنفاقه، أما الممسك فإن تلف ماله وصبر عليه فهو أيضًا ينال ثوابًا عليه. وهكذا تدعو لنا الملائكة.
و{ثقلت} هنا تعني أن ميعاد الساعة لا يعرفه إلا ربنا، فلا يعرف ذلك الميعاد من هم في السموات وكذلك من هم في الأرض، وكل من على الأرض خائف مما سوف يحدث لحظة قيام الساعة، وخصوصًا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم، يعطي لها صورة توضح قوله الحق: {لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً}.
ويخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالحالة التي تأتي عليها فيقول: «إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته والرجل يقيم سلعته في السوق والرجل يخفض ميزانه ويرفعه».
ومثل هذه التوقعات تخيف.
وقوله الحق: {ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} أي أن الواقع في هذا اليوم يكون فوق احتمال البشر وهو يأتي بغتة، أي يجيء من غير استعداد نفسي لاستقباله. ويتابع سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا}.
وحفيَ من الحفاوة، والحفيّ هو المُلِحُّ في طلب الأشياء، مثل التلميذ الذي يتوقف عند درس لا يفهمه، فيسأل هذا، وذاك إلى أن يجد إجابة.
والحفى بالسؤال عن أمر يحاول أن يصل إليه، والحفى أيضًا عالم بما يسأل عنه، وسبب العلم أنه ألحّ في السؤال عليها.
والأمور التي يعالجها الإنسان إما أن يعالجها وهو مستقر في مكانه كالأمور الفكرية أو العضلية الموقوتهَ بمكان، وقد يكون أمرًا بعيدًا عن مكانه ويريد أن يعالجه، فيقطع المسافة إلى المكان الثاني لتحقيق هذه المهمة، إنما يمشي ويسعى على رجليه، ويدوب النعل الذي يضعه في قدميه من المشي فيقال عنه إنه: حافي.
ولذلك يقال: حفي فلان إلى أن وصل للشيء الفلاني، أي سار مرات كثيرة وقطع عدة مسافات، مزقت نعله حتى جعلته يمشي حافيًا. وهنا يقول الحق على ألسنة القوم: {كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} أي أنك مُعْنى بها، ودائب السؤال عنها، وعارف لها.
وتأتي الإجابة من الحق: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله}.
وفي ذات الآية سبق أن قال: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي}.
والربوبية متعلقها الخلق، والرعاية بالقيومية لمصالح البشر، والأوهية متعلقها العبادة وتطبيق المنهج، وجاء الحق في هذه الآية، مرة بالربوبية، ومرة بالألوهية. والأولى هي علة الثانية، فأنت أخذت الله معبودًا، وأطعته لأنه خلقك ووضع لك المنهج، ولا يذخر وسعًا بربوبيته أن يقدم للعبد الصالح كل شيء ويمنحه البركة، وكذلك يعطي الكافر إن أخذ بالأسباب ولكن دون بركة وبغير ثواب في الدنيا أو الآخرة، لذلك هو الإله الحق الذي نتبع منهجه. {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ}.
وأكثر الناس الذين يسألون عن موعد الساعة لا يعلمون أن ربنا قد أخفاها، وسبحانه هو القائل: {إِنَّ الساعة آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى} [طه: 15].
هم إذن لا يعلمون أن علمها عند الله. اهـ.

.التفسير المأثور:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}.
أخرج ابن إسحاق وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: قال حمل بن أبي قشير، وسمول بن زيد، لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيًا كما تقول، فإنا نعلم ما هي؟ فأنزل الله: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي} إلى قوله: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {يسألونك عن الساعة أيان مرساها} أي متى قيامتها {قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو} قال: قالت قريش: يا محمد أسر إلينا الساعة لما بيننا وبينك من القرابة. قال: {يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله} قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «تهج الساعة بالناس: والرجل يسقي على ماشيته، والرجل يصلح حوضه، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه، والرجل يقيم سلعته في السوق، قضاء الله لا تأتيكم إلا بغتة».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أيان مرساها} قال: منتهاها.
وأخرج أحمد عن حذيفة قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال: {علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو} ولكن أخبركم بمشاريطها، وما يكون بين يديها، إن بين يديها فتنة وهرجا. قالوا: يا رسول الله الفتنة قد عرفناها الهرج ما هو؟ قال: بلسان الحبشة القتل».
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة وأنا شاهد فقال: «لا يعلمها إلا الله ولا يجليها لوقتها إلا هو، ولكن سأخبركم بمشاريطها ما بين يديها من الفتن والهرج. فقال رجل: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: بلسان الحبشة القتل، وأن تجف قلوب الناس، ويلقي بينهم التناكر فلا يكاد أحد يعرف أحدًا، ويرفع ذو الحجا ويبقى رجراجة من الناس، لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا».
وأخرج مسلم وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر «تسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على ظهر الأرض يوم من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة».
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الشعبي قال: لقي عيسى جبريل فقال: السلام عليك يا روح الله. قال: وعليك يا روح الله. قال: يا جبريل متى الساعة؟ فانتفض جبريل في أجنحته، ثم قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة، أو قال: {لا يجليها لوقتها إلا هو}.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {لا يجليها لوقتها إلا هو} يقول: لا يأتي بها إلا الله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: هو يجليها لوقتها لا يعلم ذلك إلا الله.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {ثقلت في السماوات والأرض} قال: ليس شيء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ثقلت في السماوات والأرض} قال: ثقل علمها على أهل السموات والأرض إنهم لا يعلمون، وقال الحسن، إذا جاءت ثقلت على أهل السموات والأرض، يقول: كبرت عليهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {ثقلت في السماوات والأرض} قال: إذا جاءت انشقت السماء، وانتثرت النجوم، وكوّرت الشمس، وسيرت الجبال، وما يصيب الأرض، وكان ما قال الله، فذلك ثقلها بهما.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {لا تأتيكم إلا بغتة} قال: فجأة آمنين.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تقوم الساعة على رجل أكلته في فيه فلا يلوكها ولا يسيغها ولا يلفظها، وعلى رجلين قد نشرا بينهما ثوبًا يتبايعانه فلا يطويانه ولا يتبايعانه».
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لا تقوم الساعة حتى ينادي مناد: يا أيها الناس أتتكم الساعة ثلاثًا.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {لا يجليها لوقتها إلا هو} يقول: لا يرسلها لوقتها إلا هو {ثقلت في السماوات والأرض} يقول: خفيت في السموات والأرض، فلم يعلم قيامها متى تقوم ملك مقرب ولا نبي مرسل {لا تأتيكم إلا بغتة} قال: تبغتهم تأتيهم على غفلة.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {كأنك حفي عنها} قال: استحفيت عنها السؤال حتى علمتها.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله: {كأنك حفي عنها} قال أحدهما: عالم بها، وقال الآخر: يجب أن يسأل عنها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {كأنك حفي عنها} قال: استحفيت عنها السؤال حتى علمتها.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله: {كأنك حفي عنها} قال أحدهما: عالم بها، وقال الآخر: يجب أن يسأل عنها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {يسألونك كأنك حفي عنها} يقول: كأنك عالم بها أي لست تعلمها.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {كأنك حفي عنها} قال: لطيف بها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس {يسألونك كأنك حفي عنها} يقول: كان بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهم، قال ابن عباس: لما سأل الناس محمدًا صلى الله عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمدًا حفي بهم، فأوحى الله إليه: إنما علمها عنده استأثر بعلمها، فلم يطلع عليها ملكًا ولا رسولًا.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك {يسألونك كأنك حفي عنها} قال: كأنك حفي بهم حين يأتونك يسألونك.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {يسألونك كأنك حفي} بسؤالهم قال: كأنك تحب أن يسألوك عنها.
وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس يقرأ {كأنك حفيء بها}.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله: {يسألونك كأنك حفي عنها} قال: كأنك يعجبك أن يسألوك عنها لنخبرك بها فأخفاها منه فلم يخبره، فقال: {فيم أنت من ذكراها} [النازعات: 43] وقال: {أكاد أخفيها} [طه: 15] وقراءة أُبي {أكاد أخفيها من نفسي}.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: إن بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا متى الساعة؟ فقال الله: {يسألونك كأنك حفي عنها}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا}.
فيه وجهان:
أحدهما: أنَّ أيَّانَ خبر مقدم، ومُرْسَاهَا مبتدأ مؤخر، والثاني: أن أيَّان منصوب على الظَّرْفِ بفعل مضمر، ذلك الفعل رافع لـ {مُرْسَاهَا} بالفاعليَّةِ، وهو مذهب أبي العباس، وهذه الجملة في محلِّ نصب بدل من السَّاعة بدل اشتمال، وحينئذٍ كان ينبغي أن لا تكون في محل جرٍّ؛ لأنها بدل من مجرور وقد صرَّح بذلك أبُو البقاءِ فقال: والجملةُ في موضع جرٍّ بدلًا من السَّاعة تقديره: يسألونك عن زمان حلول الساعة.